التغيرات المناخية وأثرها على دينامية غابة المعمورة الغربية

يشكل المغرب فضاءً جغرافياً متنوعاً بفعل موقعه الاستراتيجي وتعدد نظمه البيئية، حيث يضم أكبر غابة طبيعية لشجر البلوط الفليني على الصعيد العالمي، وهي غابة المعمورة. هذه المنظومة البيئية ذات الأهمية العالمية تمثل خزّاناً للتنوع البيولوجي ورافعة للتنمية المحلية. غير أنّها تشهد في العقود الأخيرة ضغوطاً متزايدة ناجمة عن التغيرات المناخية والتدخلات البشرية، ما يجعلها مجالاً حيوياً لدراسة العلاقة بين المناخ والديناميات البيئية.
* المجال المدروس
تقع غابة المعمورة الغربية بين وادي أبي رقراق جنوباً ووادي سبو شمالاً، وتمتد بين الهضبة الوسطى شرقاً والمحيط الأطلسي غرباً. يتسم المجال ببنية طبوغرافية متماوجة، بانحدار عام ضعيف، مع ارتباط مباشر بالتأثيرات الأطلسية.
* الخصائص الطبيعية
الجيولوجيا والجيومورفولوجيا: تشكلت هضبة المعمورة بفعل فترات الغمر والتراجع البحريين، ما أفرز أشرطة كتيبية موازية للساحل مكونة أساساً من الرمال الصدفية الكلسية. القاعدة الجيولوجية تضم صلصالاً وطيناً يعودان إلى الميوسين، بالإضافة إلى رمال وحث من البليوسين.
التربة: يغلب عليها الطابع الرملي–الطيني بعمق متوسط (6–7 م)، عالية النفاذية، ما يعزز التصويل ويضعف قدرتها على تخزين المياه.
الهيدرولوجيا: تخترقها شبكة أودية دائمة وأخرى موسمية تصب في وادي سبو، غير أن مساهمة المياه السطحية تبقى ضعيفة (حوالي 4% من التساقطات)، بسبب طبيعة التربة النفاذة.
المناخ: شبه رطب دافئ في الغرب، وشبه جاف معتدل في الشرق والجنوب الشرقي. تتراوح التساقطات بين
بين 400 و600 ملم سنوياً، بينما يتدرج المعدل الحراري من 5° شتاءً إلى 37° صيفاً.
* التشكيلات النباتية
يغطي البلوط الفليني حوالي 49% من المساحة الغابوية، يليه الأوكالبتوس بنسبة 34%، ثم الصنوبر (4.4%) والأكاسيا (3%). إضافة إلى ذلك، تنتشر تشكيلات نباتية ثانوية تمثل نحو 7.5% من الغابة. هذا التنوع يعكس غنى إيكولوجياً لكنه يبرز في الوقت نفسه هشاشة المنظومة أمام التحولات المناخية والضغوط البشرية.
* مظاهر التغيرات المناخية
التساقطات: عرفت الغابة تذبذباً حاداً خلال العقود الثلاثة الأخيرة (1994–2024). فقد تجاوز المعدل السنوي 800 ملم في سنوات رطبة (1996، 2009، 2011، 2018)، بينما لم يتعد 200–300 ملم في سنوات جافة (2000، 2007، 2022). هذا التذبذب يكشف اتجاهاً عاماً نحو الانخفاض وتزايد وتيرة الجفاف.
الحرارة: تسجل اتجاهاً تصاعدياً واضحاً، خاصة في أشهر الصيف، مما يعكس نزعة نحو الاحترار المناخي. كما تتسع الفوارق بين الفصول، وهو ما يعزز الطابع المتوسطي–الأطلسي للمنطقة.
النظام البيئي: أدى هذا السياق المناخي إلى تراجع تجديد البلوط الفليني، وزيادة حضور أصناف دخيلة مثل الأوكالبتوس، فضلاً عن هشاشة التربة وتراجع تغذية الفرشات المائية.
* الانعكاسات البيئية والوظيفية
ارتفاع درجة تعرض الغابة لمخاطر الحرائق والآفات.
تقلص قدرة التربة على مقاومة التعرية بفعل الجفاف المتكرر.
تراجع مساهمة الغابة في الحفاظ على التوازن الهيدرولوجي المحلي.
ضغوط إضافية من الاستغلال البشري (قطع الأشجار، الرعي المفرط).
تُظهر غابة المعمورة الغربية دينامية معقدة تتأثر مباشرة بالتغيرات المناخية، خصوصاً عبر تذبذب التساقطات وارتفاع الحرارة. هذه التحولات تهدد استقرار الغطاء النباتي والتوازن الإيكولوجي للغابة، ما يستدعي اعتماد مقاربة تكاملية تشمل المراقبة المناخية، التدبير المستدام للموارد الطبيعية، وإشراك الساكنة المحلية في جهود الحماية. إنّ الحفاظ على هذه الغابة لا يمثل مجرد ضرورة بيئية، بل خياراً استراتيجياً لضمان استمرارية خدماتها الاقتصادية والاجتماعية في سياق مناخي متغير.