المحامية ابتسام الإسماعيلي: "العدالة لا تُقاس بالصوت العالي بل بحجم الحق المسلوب"

في عالمٍ تتشابك فيه القوانين مع الواقع اليومي للأسرة والمجتمع، تبقى مهنة المحاماة أكثر من مجرد وظيفة. هي ضميرٌ قانوني حي، ورسالة تتطلب من صاحبها صبرًا، وضميرًا، وشغفًا بالحقيقة.
وضمن هذا الإطار، التقينا بالأستاذة ابتسام الإسماعيلي، المحامية بهيئة الدار البيضاء، ذات الخبرة المتميزة في مختلف القضايا، من الجنائية إلى المدنية، ومن قضايا الأسرة إلى الشغل وحوادث السير.
في هذا اللقاء الخاص بمجلة "لكل الأسرة"، شاركتنا الأستاذة رؤاها حول مدونة الأسرة المغربية، وأجابت عن أبرز الأسئلة القانونية التي تشغل بال العديد من المواطنين.
س: بداية، كيف ترين مهنة المحاماة اليوم في المغرب؟
ج: المحاماة مهنة شريفة وضرورية لاستقرار المجتمعات، لأنها تضمن تطبيق القانون وتحقيق العدالة. في المغرب، بات للمحامي دور أكبر من مجرد الترافع، بل أصبح طرفًا فاعلًا في التوجيه، والمصالحة، وصناعة الوعي القانوني.
س: مدونة الأسرة عرفت تعديلات هامة... ما أبرزها برأيك؟
ج: أهم التعديلات تمثلت في ترسيخ مبدأ المساواة بين الجنسين، سواء في سن الزواج أو في تولي المرأة مسؤولية نفسها قانونيًا. أيضًا، تم تعزيز مراقبة القضاء للطلاق والتطليق، وفرض ضوابط أكثر صرامة على زواج التعدد.
س: وماذا عن الحضانة والنفقة؟ هل هناك جديد؟
ج: نعم، الحضانة أصبحت حقًا مشتركًا أثناء العلاقة الزوجية، ويمكن الاتفاق على تمديدها بعد الطلاق. أما النفقة، فهي واجبة على الأب فقط للأبناء، ويتم تقديرها حسب حالته المادية والاجتماعية، مع إمكانية مراجعتها عند الضرورة.
س: هل ما زال تعدد الزوجات ممكنًا قانونًا؟
ج: لا يزال ممكنًا، لكن بشروط صارمة. المشرع لم يجعل موافقة الزوجة الأولى شرطًا، بل مجرد إشعار، ويُشترط وجود مبرر استثنائي واضح، مع ضمان عدم الإضرار بالزوجة الأولى.
س: هل يحق للزوجة أن تشترط في عقد الزواج حقها في الدراسة أو العمل؟
ج: نعم، طبعًا. هذا من الحقوق التي يمكن تضمينها في العقد، ويُعتد بها أمام المحكمة عند أي نزاع.
س: دعوى إثبات أو نفي النسب من زواج عرفي... هل تُقبل قانونيًا؟
ج: نعم، يُمكن قبول هذه الدعاوى وفقًا لاجتهادات قضائية متقدمة، شريطة وجود بينات وأدلة كافية، لأن حماية نسب الطفل أولوية قصوى.
س: وماذا عن الطلاق للضرر؟ هل تحتفظ الزوجة بحقوقها؟
ج: بالتأكيد. في حالات الإهانة، عدم الإنفاق، أو العنف، يمكن للزوجة طلب الطلاق دون المساس بحقوقها المادية. الطلاق للضرر لا يُسقط النفقة ولا المتعة ولا السكن خلال العدة.
س: وهل تستحق الزوجة النفقة إذا غادرت بيت الزوجية؟
ج: الأصل أنها تستحق، إلا إذا صدر حكم قضائي يأمرها بالرجوع وامتنعت دون مبرر، حينها يُمكن إسقاط نفقتها.
س: ماذا عن دعوى النفقة ضد الزوج الغائب؟
ج: تُرفع الدعوى أمام المحكمة المختصة، ويمكن الحكم بالنفقة بناءً على قرائن، وشهادات، ووثائق تثبت غياب الزوج وعدم الإنفاق.
س: هل يمكن تقسيط المتعة المحكوم بها للمطلقة؟
ج: نعم، يجوز تقسيطها بناءً على طلب الزوج أو أثناء التنفيذ، خصوصًا إذا أثبت عجزه عن الأداء دفعة واحدة.
س: كلمة أخيرة لمن يريد أن يسلك درب المحاماة؟
ج: المحاماة ليست بابًا للشهرة أو المال، بل درب شاق يتطلب صبرًا، وأمانة، ومعرفة عميقة بالقانون. من أحب هذه المهنة بإخلاص، ستحبه هي بالمقابل وتمنحه احترام الناس وثقتهم.
ختام:
بهذا الحوار، نكون قد سلطنا الضوء على أبرز المستجدات القانونية من خلال عدسة خبيرة، تعيش كل يوم في قلب المحاكم، وتُدافع عن الأسر، وتؤمن أن العدل ليس رفاهية، بل حق أصيل.
الأستاذة ابتسام الإسماعيلي ليست فقط محامية بارعة، بل صوت للمرأة، والأم، والضعيف، والمظلوم...
وفي زمن كثرت فيه الضبابية، نحن بحاجة لأمثالها كي يبقى القانون واضحًا، وعادلًا، وإنسانيًا.